كثير من الناس في هذه الأزمان يتصورون أن أداء الصلاة يمكن أن يكون مجرد عملا روتينيا لإسقاط الفريضة، ويتناسون أن الصلاة في حقيقتها هي الصلة الفعلية بين العبد وربه وهي أسلوب الحياة الذي يختاره الإنسان المؤمن بربه ليصبغ كل حالاته النفسية وتحركاته وأحكامه على الواقع من حوله.
إن الصلاة عندما تؤدى بالقلب والروح والوجدان وليس بالجسد فقط تعطي الإنسان نبراسا وفرقانا يستطيع من خلاله أن يميز بين الحق والباطل، ويفرق بين الخير والشر، ويكون على نور من ربه في كل خطوة يخطوها.
وعندما قال الله تعالى في كتابه العزيز {إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين}، أعطانا إشارة شديدة الأهمية بأن الفطرة الإنسانية خلقت بطبيعتها تميل إلى أن تبقى في حالة من الهلع والإضطراب وعدم الإستقرار، لأن الإنسان يعيش في وسط حياة متغيرة والمتغيرات والمستجحدات تدق بابه كل لحظة وكل ساعة، وهو لا يأمن على نفسه ولا يأمن على من يحب ولا يشعر بأن هذه الدنيا يمكن أن تمنح من يركن إليها سعادة دائمة أو طمأنينة كاملة.
وفي ظل حالة الهلع والتوجس يكون الإنسان معرضاً إما لأن يصاب بالخير أو يصاب بالشر، وطالما أنه هلوع وفي حالة إضطراب دائم فإنه إذا أصابه الشر سرعان ما يجزع ويخاف ويشعر بأنه لايستطيع أن يلتقط أنفاسه، ولا يدري إلى أي جانب يميل أو كيف يتخلص من هذا الشر الذي يرى أنه قد يهدم حياته ويقضي على أحلامه وأمانيه وتطلعاته.
وإذا أصاب الإنسان الخير، فإنه وبسبب حالة الهلع التي بقي فيها قلبه طوال الوقت يميل إلى المنع والبخل والحرص ويشعر أن هذا الخير له وحده وأنه لا يزول عنه وينسى أنه مفتون به مختبر فيه، ويحاول بكل ما أوتي من قوة أن يتمسك بهذا الخير ليضمن أنه لا يتحول عنه في يوم من الأيام.
وهنا تبرز أهمية الصلاة في صبغ حياة القلب المؤمن بصبغة مختلفة فالمصلين لا يعيشون حياتهم وهم في حالة من الهلع والإضطراب والغربة، بل إن صلاتهم التي هم عليها دائمون ولا يفترون عنها تجعلهم دائمي الصلة بربهم يعرفون أن لحظاتهم التي يعيشونها هي ما بين لقاء مع الله ولقاء آخر قادم مع الله، وبالتالي فإن قلوب المصلين تعيش دائمًا في حالة من الطمأنينة والهدوء والإستقرار.
والمصلون إذا أصابهم الشر يدركون أنه فتنة ويتذكرون أن الله تعالى قضى بحكمته أن يختبر كل إنسان بالشر لينظر ماذا يكون فعله هل يصبر إلى ربه ويسكن إليه متصرعًا راجيًا أن يرفع الله عنه هذا الشر أم أنه يلج في طغيانه.
وكذلك فإن المصلين إذا مسهم الخير لا ينسون أنفسهم ولا يغفلون عن ربهم بل يعلمون أن هذا الخير هو أيضا إختبار من ربهم ليرى كيف يسخرونه في طاعته سبحانه والتقرب إليه والإستزادة من الحسنات التي تثقل الموازين يوم القيامة.
الكاتب: أحمد عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.